العطر في شعر شارل بودلير

العطر في شعر شارل بودلير

“أيها الشَعر المموج حتى العنق ..أيها الخصلات و العطر المحمّل بالكسل .. إن نفسي تسبح في العطر كما يسبح الآخرون في الموسيقى”.

 نعم هو عطر مختلف و لكن لا تستطيع الحصول عليه من معارض و محلات العطور .. هو عطر لا تستطيع إستكشافه عن طريق الأنف و لكن بالقراءة .. هو عطر ليس معبأ في زجاجة و لكنه مطبوع على الورق فقد إستنشقه شاعر أو أديب أو إبتكره بعقله و إحساسه ووصفه بدقة في قصيدة أو رواية.

و من أبرز الشعراء في هذا المجال شارل بودلير أحد أبرز الشعراء الفرنسيين في القرن ال19 وصف بودلير العطور بدقة و براعة بأسلوبه الشعري المرهف الذي يجعلنا نشعر بعبيرها عند القراءة مثل قصيدة الإنسجام التي كتب فيها:

“تستجيب لنا العطور و الألوان و الأصوات كما تتردد الأصداء في الظلمة الواسعة ..

من العطور ما هو نضر مثل بشرة الرضيع ..

و ماهو حلو مثل صوت المزامير .. وما هو أكثر خضرة من البراري ..

و ماهو غني يلفّك مثل مذاق الإنتصار

و ذلك له إتساع اللانهائية مثل العنبر و المسك و البلسم و البخور

و يتغني بنشوة العقل و الحواس”

عطر مختلف

و يمزج بودلير خطورة و جمال عطر المرأة بطبيعة القط في قصيدة الهر:

” تعالى يا هري الجميل إلى قلبي الولهان

و دعني أغوص في عينيك الجميلتين المصنوعتين من العقيق و المعدن

نظرتها كنظرتك أيها الحيوان المحبوب

ومن أخمص قدميها حتى الرأس

يطوف حول جسدها الأسمر

جو لطيف .. و عطر خطر”

و ينتشي بودلير بعطر شعر حبيبته في قصيدة الشَعر:

“سألقي برأسي في خضم بحر شعرك الأسود 

فتهدد روحي أمواجه في فراغ معطر لانهائي

و على أطراف شعرك الزغبي..

أنتشي برائحته المختلطة بزيت جوز الهند

برائحة المسك و القار”

عطر مختلف

ويصف بودلير أيضاً عطر حبيبته بكلمات رائعة:

“لو تعرفين ما أراه!  ..كلَّ ما أحس به!

كلَّ ما أسمعه في شعرك!

وفي موقد شعرك الملتهب،

أستنشق رائحة التبغ ممزوجًا بالأفيون والسكَّر”

و قد وصف الأدباء أيضاً الروائح بشكل مفصل مرهف قد تستغربه أحياناً و لقد أثبتت التجارب بعد ذلك صحته مثل وصف الروائي الإنجليزي جورج أورويل في رواية ” أيام في بورما” :

 ” تنبعث من شعرها رائحة هي مزيج من خشب الصندل و الثوم و جوز الهند و الياسمين و يشعر كلما إستنشق هذه الرائحة بإرتعاشة في أسنانه”.

قد تستغرب الوصف أو تحسبه تشبيه مجازي و لكن أثبتت الدراسات التشريحية فيما بعد أن هناك أعصاب تربط الإحساس بين الأنف و الأسنان و كان أول من أشار إليها هو أورويل.

و في مواضع أخرى أثبت أورويل أن حاسته الشمية لا غبار عليها حين نقل صورة من حمام مدرسة البنين الإعدادية التي كان يدرس فيها في رواية “هكذا كانت البهجة” حيث يتجه التلاميذ كل صباح للحمام الذي كان أورويل دائماً يراه مبتلاً و المناشف رطبة في الشتاء و لها رائحة تشبه الجبن و قد إكتشف الباحثون بعد سنوات طوال أن عرق النساء يحتوي على مواد تتفاعل مع البكتيريا لإنتاج مواد مليئة بالكبريت لذلك يكون رائحة عرق النساء تشبه قليلاً البصل أما عرق الرجال فيفتقر إلى هذه المواد فتكون رائحته تشبه الجبن أو الدهون المتزنخة و قد ميزت أنف أورويل هذا الفارق الذي لا يكتشفه إلا خبير.

شاهد أيضاً

عطر فوجير دارجان من توم فورد Fougère d’Argent Tom Ford

Fougère d’Argent Tom Ford عطر فوجير دارجان من توم فورد ظهر عطر Fougère d’Argent من Tom Ford …

2 تعليقات

  1. أحمد الدميني

    موضوع جميل جداً حرك فينا المشاعر والذكريات والحنين إلى الصباء والشباب والعوده الي ماقبل البيت وأولاد والمسؤليه .ولكن هذا لا يمنعنا من أن نعيش حياتنا وان نأخذ منها كل جميل بإذن ألله وأن  نتعطر وأن نتطيب بجميل الأخلاق أن نأخذ ماقسمه الله لنا في هذه الحياه وبرضى والتسليم للخالق سبحانه وتعالي. كامل احترامي وتقديري لك يادكتوره شيماء ودمتي بموفور الصحه وكامل السلامه اخت عزيزه علينا

  2. نعم .. كلام جميل وسليم ..هناك عطور لاتشترى وليست موجودة .. برغم حبي للعطور وبرغم ماتضفيه العطور النسائية من جمال على النساء فوق جمالهن إلا أن أحد أسعد لحظاتي استنشاق رائحة الانثى الطبيعية بدون عطور او تجميل تشعر انك تستنشق الروح .. تستنشق الطبيعة ..
    شكرا اخت شيماء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *